إلتهاب المسالك البولية عند الأطفال
الالتهابات بكل أنواعها قد تصيب الجهاز البولي والتناسلي عند الطفل، لكن أكثرها انتشاراً هي الإصابة الجرثومية لهذا الجهاز .
ففي الوضع الطبيعي تكون المسالك البولية خالية من الجراثيم، لكنها تلتهب عندما تنتقل اليها جراثيم الأمعاء أو الجراثيم المتواجدة في المنطقة الجنسية أو حولها تصاعدياً عن طريق الغائط، خاصة عندما تكون هناك تغيرات باثولوجية في الجهاز البولي عند الطفل المصاب تحديداً، أو إذا ارتفعت سُمية هذه الجراثيم في المنطقة المذكورة، حيث يحدث تعشش للجراثيم ونموها وتكاثرها في الجهاز البولي والتناسلي فتحدث الإصابة الالتهابية، وتعرف هذه الإصابة بأنها رد فعل التهابي للخلايا الغشائية المبطنة للمسالك البولية والجنسية، وتؤدي بدورها إلى تكاثر الجراثيم في البول، وتقيّحه في بعض الأحيان .
التعامل للسيطرة على هذه الالتهابات في وقتنا الحاضر يجب أن يكون مستوعباً للتقدم العلمي في هذا المجال من حيث التغيرات الباثولوجية وغير الفسيولوجية في المرحلة الجنينية للطفل وما بعدها، وتفهم كيفية الوقاية منها وعلاجها، وتفهم ما توصلت إليه العولمة الطبية من وسائل وطرق للوقاية والعلاج .
وقد أدى إثبات تكوّن الندبات في الأنسجة الكلوية، ومن ثم التلف الوظيفي للكليتين في حالة وجود جراثيم في البول عند الطفل، إلى التوصية العاجلة لتشخيص وتقييم التهابات المسالك البولية والتناسلية عند الأطفال بوسيلة تشخيصية حديثة للتوصل إلى معرفة دقيقة لأسباب هذه الالتهابات، خاصة عندما يصاب الرضيع أو الطفل بالتهابات تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة (حمى في جسم الطفل)، وقد تكون هذه الالتهابات المصحوبة بالحمى عند الرضيع أو الطفل من أكثر الأسباب المؤدية إلى تكون الندبات في أنسجة الكلى الفعالة، ومن ثم إلى قصور وظائفها، ولهذا السبب فإن الهدف من التعامل مع هذه الالتهابات يجب ان يكون تشخيصه وعلاجه صحيحاً، وإذا كان ممكناً اكتشاف وتشخيص عوامل الخطورة المؤدية لهذه الالتهابات، خاصة المؤدية منها إلى تكون الندبات وضمور الكلية نفسها .
وفي هذا المقال سيتم التركيز على الطفل كمضيف لهذه الجراثيم في مسالكه البولية، وطرق الإصابة وكيفيتها وبعد ذلك تشخيصها وعلاجها والوقاية منها .
إحصاءات
تعد التهابات المسالك البولية الجرثومية من أكثر الالتهابات الجرثومية انتشاراً عند الإنسان، حيث تصاب المثانة أو الكلى عند الطفل بذلك . وقد أثبتت الإحصاءات الوبائية العالمية أن الإصابة بالتهابات المسالك البولية الجرثومية عند الأطفال والذين يعالجون في المستشفيات من جراء ذلك تبلغ 000,40 طفل سنوياً، وتكون في السنة الأولى بعد الولادة بنسبة 3% عند الذكور و1% عند الإناث، وإن 000,400 طفل في الولايات المتحدة الأمريكية يعالجون في المستشفيات سنوياً من جراء التهابات المسالك البولية . وعند الرضيع (أي الطفل في عمر أقل من ثلاثة أشهر) تكون نسبة الأصابة 2% . والطفل ما فوق الثلاثة أشهر من العمر بنسبة 5,0%، ويصاب هؤلاء الأطفال بالتهابات الكلية الجرثومية سنوياً بنسبة 5% . ومن الجدير بالذكر أنه الطفل الذكر يصاب خلال السنة الأولى بعد الولادة بالتهابات المسالك البولية أكثر من الأنثى، خاصة الأطفال الذين لم يخضعوا للختان بعد ولادتهم مباشرة .
طرق الإصابة:
يكون البول في العادة خالياً من الجراثيم ولكن:
أكثر الجراثيم تخترق المسالك البولية عن طريق المستودع الجرثومي في الأمعاء، وتكون الإصابة متصاعدة مروراً عبر الإحليل إلى المثانة، مع العلم بأن قابلية الالتصاق لهذه الجراثيم في مدخل المهبل وفي الخلايا الغشائية المبطنة للمهبل والأحليل والمثانة يلعب دوراً أساسياً في الإصابة الالتهابية التصاعدية لهذه الجراثيم . كما تحدث الإصابة أيضاً في حالة حدوث تلوث العجان بالغائط .
أما الأطفال الخاضعون إلى تصريف البول بواسطة قسطرة مثانية لأسباب مرضية خاصة في المثانة فالإصابة تكون محدودة على المثانة ولكن الالتهاب ينتشر تصاعدياً بنسبة 50% إلى أعلى المسالك البولية، خاصة إلى الحويض الكلوي والكلية نفسها .
تحدث الإصابة عن طريق الدم بنسبة أقل عند الأطفال ذوي الصحة والمناعة الجيدة، ولكن الكلية تصاب في بعض الاحيان ثانوياً بالمكورات العقدية البرتقالية التي يكون مصدرها تجرثم الدم عن طريق الفم أو الأصابة بفطور الدم بالفطريات البيضاء . ثبت علمياً وبحثياً وكلينيكياً أن سبب الاصابة المتكررة بالتهابات المسالك البولية هو ان الأطفال، خاصة الإناث منهم، يكون عندهن انخفاض في مقاومة الخلايا الغشائية في المهبل والأحليل والمثانة للالتصاق الجرثومي مقارنة مع الإناث اللواتي لا يصبن بهذه الالتهابات . وقد لوحظ العكس بأن هناك تأثير وقائي ضد الإصابة، أو أن هناك فروقاً جينية تؤثر في استعداد خلايا المسالك البولية والتناسلية لمقاومة الالتصاق الجرثومي في المهبل أو الاحليل او المثانة، وفي الوقت نفسه تحدث الإصابة أيضاً في حالة وجود خواص جرثومية عدوية لهذه الجراثيم حيث تملك هذه الجراثيم على سطح خلاياها تركيباً لاصقاً، وهو تركيب يساعد الجراثيم على الالتصاق، ومن ثم الأرتباط بسطح مستقبلات الخلايا الظهارية المبطنة للمسالك الجنسية والبولية، وتسبب الالتهاب والعدوى الجرثومية في المثانة أو الاحليل .
اما الاصابة الجرثومية عند هؤلاء الأطفال فتكون إما من جراء عدوى بجراثيم أو فطريات أو الفطور السكرية . وأكثرها انتشاراً الإصابة بالجرثوم القولوني وبنسبة 80-90% . أو الأصابة بالمكورات العنقودية وبنسبة 10-20% . أو الأصابة بالجراثيم المعوية . وتكون العدوى عادة إما معقدة وإما غير معقدة، وتحدث بنسبة 20% من جراء الإصابة بالجرثوم القولوني أو المعوي . أما الإصابة بالتهابات الجراثيم الجرامية السلبية مثل الجرثوم الزائف الزنجاري أو الجراثيم الإيجابية الجرام مثل المكورات العقدية البرتقالية فإنها تحدث بنسبة ليست بالقليلة .
أما العوامل المهيئة للإصابة بالتهابات المسالك البولية والتناسلية الجرثومية عند الطفل والتي تكون من العدوى غير المعقدة أو العدوى المعقدة فتكون إما من جراء وجود:
الإصابة بارتجاع بولي حالبي وكلوي من جراء تغيرات باثولوجية في المثانة أو الحالب .
وجود تشوهات خلقية تضيقية في المسالك البولية والتناسلية كتضيق الاحليل وتضيق الحالب . وجود كبت مناعي عند الطفل من جراء الاصابة بأمراض أخرى .
وجود جروح أو خدوش في الاحليل أو المثانه من جراء تدخل منظاري أو قسطري بغرض تشخيصي أو علاجي .
تغيرات باثولوجية ووظيفية في الجهاز البولي والتناسلي .
وجود قسطرة داخل المثانة لأغراض علاجية .
الأعراض
تبدأ أعراض التهابات المثانة الحادة عند الرضيع تحت سن الثلاتة أشهر بالهيجان والإسهال والتقيؤ والامتناع عن تناول الغذاء والرضاعة، أما عند الطفل الذي يكون عمره أقل من ثلاث سنوات فتشمل الأعراض تبولاً غير إرادي وأوجاعاً أسفل البطن أو ثقلاً، وعند الطفل فوق الثلاث سنوات من العمر فتشمل الأعراض التردد إلى الحمام للتبول بكثرة وبصورة غير اعتيادية، وأوجاعاً أسفل البطن أو المثانة، والشعور بعدم الاستطاعة على تفريغ المثانة، أو الشعور بتبقي كمية من البول بعد التبول حيث يزداد الإلحاح للتبول مع أوجاع شديدة أثناء ذلك .
أما أعرض الالتهاب التصاعدي إلى الحويض الكلوي والكلية، فإن ارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمى) وأوجاع شديدة في الكليتين (الخاصرتين) هي من الأعراض المميزة لهذه الإصابة، علاوة على أعراض المثانة المذكورة أعلاه، خاصة عند الأطفال فوق سن الثلاث سنوات، أما الرضع فإن الحمى والهيجان والامتناع عن الرضاعة تكون من الأعراض الأكثر انتشاراً .
وتعتمد الوسائل التشخيصية لهذه الالتهابات على:
أولاً: التحليل البولي وزراعته لتشخيص نوع الجرثوم أو الفطريات لتعيين نوع المضاد الحيوي الفعال من خلال تطعيم الجراثيم النامية في المزرعة .
ثانياً: هناك وسائل تشخيصية موسعة كالفحص المنظاري للمثانة وفحص المثانة والمسالك البولية بواسطة الموجات فوق الصوتية وكذلك الأشعة السينية الملونة للجهاز البولي والمثانة، خاصة فحص الارتجاع البولي إلى الحالب أو الكلية، وكذلك فحص ضغوط المثانة المختلفة أثناء الامتلاء لقياس ديناميكيتها أثناء الامتلاءات المختلفة لمعرفة تغيرات ضغطها الداخلي ولتشخيص التغيرات الباثولوجية فيها، وكذلك قياس سرعة تدفق البول خلال التبول .
وتجرى هذه الوسائل التشخيصية فقط للحالات الالتهابية المعقدة والانتكاسية من جراء التغيرات الباثولوجية أو الخلقية التضيقية التي أدت إلى هذه الالتهابات . أما فحص وظائف الكلى النووي فيجب أن يخضع له الأطفال الذين أصيبوا بانتكاسات متعددة مع الإصابة بالحمى لكي يشخص عدد الندبات الكلوية، وكذلك الوظائف الترشيحية للبول في الكليتين ومدى تأثير هذه الندبات في وظائف الكلية ضمورياً .
العلاج
في حالة الالتهابات المثانية المتكررة عند الطفل ينصح بأخذ المضاد الحيوي الوقائي . أما عند الأطفال الذين تحدث عندهم انتكاسات التهابية جرثومية للمثانة أو الكلية من 3- 4 مرات في السنة فينصح بتشخيص السبب الباثولوجي الخلقي والتضيقي في المسالك البولية والتناسلية، وعلاج ذلك منظارياً او جراحياً .
كما توجد بعض المضادات الحيوية التي تعطى لهؤلاء الأطفال الذين يعانون كثرة الانتكاسات الالتهابية الجرثومية للمثانة وذلك بأخذ مضاد حيوي بعيار منخفض جداً، حيث يؤدي هذا إلى مفعول وقائي يخفض نسبة الجراثيم المستعمرة للعجان وللاحليل، فإذا لم يستفد الطفل من هذه الوقاية فيجب على الطبيب الاختصاصي في المسالك البولية إجراء فحوص تشخيصية مركزة لمعرفة الأسباب الأساسية، خاصة التشوهات والتغيرات الباثولوجية والخلقية لكثرة وزيادة الانتكاسات الالتهابية الجرثومية والتي ذكرت مقدماً .
نصائح وإرشادات:
إن التهاب المثانة والكلى المتكرر عند الأطفال من الحالات المرضية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، والتي تتطلب التدخل العلاجي المباشر من قبل الطبيب المختص والذي يمكنه بعد تحديد السبب المباشر لهذا الالتهاب ومعالجته بالشكل الأمثل، ومن أهم النصائح والإرشادات العلاجية والوقائية التي ينبغي الأخذ بها:
الإكثار من تناول السوائل للتخفيف من تركيز البول، بحيث لا تقل عن لتر من السوائل يوميا للطفل ما تحت سن الثلاث سنوات ولتر ونصف للطفل ما فوق سن الثلاث سنوات تناول عصير التوت البري الذي يقي من تكرر الإصابة بالتهاب المثانة . عند الشعور بالرغبة بالتبول ينصح بتدريب الطفل فوق سن الثلاث سنوات بالاستجابة لهذه الرغبة وعدم التأخر بالدخول إلى الحمام .
ينصح بالتقليل من تناول المنبهات كالشاي والمشروبات الغازية .
يتم غسل وتنظيف المنطقة التناسلية من الامام إلى الخلف لمنع انتقال الجراثيم او الفطريات من المخرج إلى المهبل والمثانة بالطريق الصاعد .
ينبغي عدم استخدام بعض المعطرات والبودرة وغير ذلك من المواد في المنطقة التناسلية والبولية للطفل .